Home مقالاتالإشكالية الجزائريةكَيْفَ نصْبِحُ أُمَّةً حَقةً…

كَيْفَ نصْبِحُ أُمَّةً حَقةً…

by admin

َا يَنْقُصُنَا لِكَيْ نَكُونَ أُمَّةً حَقِيقِيَّةً لَيْسَتِ المُكَوِّنَاتُ المَادِّيَّةُ (مِنْ أَرْضٍ وَشَعْبٍ وَدَوْلَةٍ وَعَلَمٍ) وَلَكِنْ المكوِّنُ غَيْرُ المَادِّيِّ الَّذِي يُسَمَّى “رُوحُ الأُمَّةِ”. فمَا هِيَ هَذِهِ الرُّوحُ؟

إِنَّهَا العُنْصُرُ الكِيمْيَائِيُّ الَّذِي يُحَفِّزُ مُكَوِّنَاتِ البِلَادِ المَادِّيَّةِ وَيَجْمَعُهَا مَعًا لِيَمْنَحَهَا مَعْنًى وَهَدَفًا. إِنَّهَا ظَاهِرَةٌ رُوحِيَّةٌ وَفِكْرِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ، هِيَ مِنْ عَمَلِ البَشَرِ وَنَتِيجَةٍ لِلْأَفْكَارِ الَّتِي أَنْتَجُوهَا عَبْرَ التَّقَدُّمِ الأَخْلَاقِيِّ وَالمَادِّيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ.

إِنَّهَا عَمَلِيَّةٌ نَفْسِيَّةٌ وَعَقْلِيَّةٌ لَا نَعْرِفُ كَيْفَ تَتَحَقَّقُ، سِوَى أَنَّهَا تَعْمَلُ مِنْ خِلَالِ التَّعْلِيمِ المقدَمِ عَلَى جَمِيعِ المُسْتَوَيَاتِ، وَالتَّعْلِيمِ الاِجْتِمَاعِيِّ وَالقَوَانِينِ الَّتِي تَمَّ وَضْعُهَا، وَالمِثَالِ الجَيِّدِ الَّذِي يُقَدِّمُهُ القَادَةُ وَالمُواطِنُونَ، وَثِمَارِ الإِنتَاجِ الفِكْرِيِّ وَالفَنِّيِّ لِلنُّخَبِ فِي مُخْتَلِفِ جَوَانِبِ المُجْتَمَعِ.

لَا نَرَاهَا وَهِيَ تَتَكَوَّنُ، وَلَكِنَّ آثَارَهَا تَظْهَرُ عَلَى سَطْحِ الحَيَاةِ الجَمَاعِيَّةِ، عَلَى الوُجُوهِ، فِي طَرِيقَةِ التَّفْكِيرِ وَالكَلاَمِ وَالتَّعَامُلِ مَعَ الآخَرِينَ، فِي الحَيَاةِ حَيْثُ يَكُونُ كُلُّ شَخْصٍ مُهَذَّبًا وَمُلْتَزِمًا بِاحْتِرَامِ الآخَرِ وَرَاحَتِهِ.

إِنَّهَا الإِحْسَاسُ بِأَنَّنَا مَصْنُوعُونَ بِالطَّرِيقَةِ نَفْسِهَا، نَفْكُرُ بِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ، نَتَحَدَّثُ بِلُغَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى وَإِنْ كَانَتْ بِالْلُّغَاتِ المُخْتَلِفَةِ، نَنْظُرُ فِي نَفْسِ الاِتِّجَاهِ وَنَحْلُمُ بِالنَّفْسِ المُسْتَقْبَلِ… إِنَّهَا إِدْرَاكٌ مَشْتَرَكٌ لِلمَصْلَحَةِ المُشْتَرَكَةِ، وَطُمُوحٌ مُتَزَامِنٌ، وَحُلْمٌ مُتَكَاْمِلٌ…

لَقَدْ مَدَّتْ أُورُوبَّا الفَضْلَ إِلَى فَلَاسِفَةِ التَّنْوِيرِ الَّذِينَ حققوا التَّقَدُّمَ الفِكْرِيَّ وَالتِّقَنِيَّ وَالصِّنَاعِيَّ وَالسِّيَاسِيَّ الَّذِي جَعَلَهَا مِنَ الأُمَمِ المُتَقَدِّمَةِ. كَمَا أَنَّ الوِلَايَاتِ المُتَّحِدَةِ مَدَّتْ الفَضْلَ إِلَى كِتَابِ “الحَسِّ المشترك” الَّذِي أَسَّسَ لِوِلَادَتِهَا.

وَهُنَاكَ كُتُبٌ أُخْرَى مِثْلَ “مَاذَا نَفْعَلُ؟” لِلِّينِينِ وَ”الكِتَابِ الأَحْمَرِ” لِمَاوْ الَّتِي أَيْقَظَتْ رُوسِيَا وَالصِّينَ وَدَفَعَتْهُمَا إِلَى مَصافِّ القُوَى العُظْمَى.تَظْهَرُ هَذِهِ الرُّوحُ عِندَمَا تَظْهَرُ فِي جَمَاعَةٍ مُعَيَّنَةٍ بِفَضْلِ حَدَثٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، وَتَبْدَأُ فِي العَمَلِ، وَتَشْرُقُ عَلَى الجَمِيعِ، وَتُؤَثِّرُ فِي كُلِّ فَرْدٍ، وَتُوَحِّدُ الأَفْرَادَ مَعًا وَتَمْنَحُهُمْ رُؤْيَةً مَشْتَرَكَةً لِلعَالَمِ.

وَبِذَٰلِكَ تَصْبَحُ أُمَّةً جَمِيلَةً يَعِيشُ فِيهَا الجَمِيعُ فِي إِنْسجام. فِي بَعْضِ الأَحْيَانِ، لَا نُطْلِقُ أَسْمَاءً عَلَى هَذِهِ الأُمَمِ، بَلْ نُشِيرُ إِلَيْهَا بِتَعْبِيرَاتٍ مِثْلَ “الرُّوحِ الأَمْرِيكِيَّةِ”، “العَبْقَرِيَّةِ الأَلْمَانِيَّةِ”، “المَعْجِزَةِ الصِّينِيَّةِ” أَوْ غَيْرِهَا…

قَدَّمَ مُفَكِّرُونَ مَشْهُورُونَ تَعْرِيفَاتٍ مَشْهُورَةً لِلْأُمَّةِ مِثْلَ إِرْنِسْت رِينَانِ الَّذِي لَخَّصَهَا فِي “رَغْبَةِ العَيْشِ مَعًا “. وَقَدْ حَظِيَ هَذَا التَّعْرِيفُ بِقَبُولٍ عَالَمِيٍّ لِفَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ قَبْلَ أَنْ يُعدلهُ أَحَدٌ أبناء وطنه، رِيجِيسْ دِيبْرَاي، بَعْدَ قَرْنٍ وَنِصْفٍ عِندَمَا لَاحَظَ أَنْ “البَقَرَ أَيْضًا يَحْيُونَ مَعًا”. مُسْتَلْهِمًا عَلَى الأَرَجَحِ مِنْ تِيَّارٍ فِكْرِيٍّ أَلْمَانِيٍّ كَانَ أُوسوالد سْبِنْجْلَرْ آخِرَ مُمَثِّلَيْهِ مَعَ كِتَابِهِ الشَّهِيرِ “أفول الغَرْبِ” (الَّذِي تُرْجِمَ مِنَ الأَلْمَانِيَّةِ إِلَى الفَرَنْسِيَّةِ عَلَى يَدِ الجَزَائِرِيِّ مُحَنذ تَازرُوتِ فِي ثَلَاثِينِيَّاتِ القَرْنِ المَاضِي)،

يُفَضِّلُ رِيجِيسْ دِيبْرَاي مِنْ جَانِبِهِ رُؤْيَةَ الأُمَّةِ كَـ “رَغْبَةٍ فِي العَمَلِ مَعًا”.كَانَ قَرْنُ رِينَانِ هُوَ قَرْنُ الرُّومَانْسِيَّةِ، وَفِي حِينٍ كَانَ قَرْنُ دِيبْرَاي هُوَ قَرْنُ البرَاغْمَاتِيَّةِ. إِنَّهُ مِنَ المُهِمِّ فِي تَارِيخِ الأُمَمِ أَنْ “نُنجز مَعًا” أَكْثَرَ مِنْ “أَنْ نَشْعُرَ مَعًا”، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ الوَاقِعَ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَحْدُثُ دُونَ الآخَرِ.

كَانَ رِينَانِ عَلَى حَقٍّ تَامٍّ مِثْلَ دِيبْرَاي لِأَنَّهُمَا لَا يَتَنَاقَضَانِ، بَلْ يَكْمُلَانِ بَعْضُهُمَا بَعْضًا.الرُّومَانْسِيَّةُ هِيَ شَكْلٌ مُتَقَدِّمٌ مِنَ العَاطِفِيَّةِ الَّتِي، فِي نُسْخَتِهَا الإِسْلَامِيَّةِ، دَعَمَتْ تَعْرِيفًا لِلْأُمَّةِ لَا يَأْخُذُ فِي اعْتِبَارِهِ لَا “الرَّغْبَةَ فِي العَيْشِ مَعًا”، وَلَا “الرَّغْبَةَ فِي العَمَلِ مَعًا”، بَلْ فَقَطْ “الإِيمَانِ مَعًا”.

إِلَّا أَنَّ الإِيمَانَ الجَمَاعِيَّ لَا يُؤَدِّي إِلَى فِعْلِ نَفْسِ الشَّيْءِ دَائِمًا. فِي السِّياقِ الإِسْلَامِيِّ، يُمْكِنُ لَنَا الإِيمَانُ بِذاتِ الشَّيْءِ وَمَعَ ذَٰلِكَ نَقْتُلُ بَعْضَنَا بَعْضًا دُونَ سَبَبٍ؛ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِـ “العَمَلِ مَعًا”، فَنَحْنُ نُدَمِّرُ الحَاضِرَ بِحَمَاسٍ لَيْسَ لِبِنَاءِ المُسْتَقْبَلِ، وَلَكِنْ لِعَوْدَةٍ إِلَى زَمَنِ قُرَيْشٍ.

هَلْ يُمْكِنُنَا التَّحَدُّثُ، فِي حَالَتِنَا، عَنْ “رَغْبَةِ العَيْشِ مَعًا” عِندَمَا يكُونُ هُنَاكَ جُزْءٌ مِنَ الجَزَائِرِيِّينَ، وَهُمْ المُسْلِمُونَ الإِسْلَامِويُّونَ الَّذِينَ يَطْمَحُونَ لِعَوْدَةٍ إِلَى عَصْرِ قُرَيْشٍ، لَا يَتَشَارَكُونَ شَيْئًا مَعَ الآخَرِينَ، وَهُمْ المُسْلِمُونَ غَيْرُ الإِسْلَامِويينَ الَّذِينَ يَرْغَبُونَ فِي العَيْشِ وَفْقًا لِزَمَانِهِمْ، إِلَّا مَشَاعِرِ الرَّفْضِ المُتَبَادَلِ؟

عِندَمَا يَنْظُرُ النَّاطِقُونَ بِالعَرَبِيَّةِ أَحَادِيَّ اللُّغَةِ إِلَى النَّاطِقِينَ بِالْفَرَنْسِيَّةِ أَحَادِيَّ اللُّغَةِ كَغُرَبَاءٍ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ شَيْءٍ مُشْتَرَكٍ سِوَى جَوَازِ السَّفَرِ؟ عِندَمَا يَسْحَبُ أَحَدُهُمْ فِي اتِّجَاهٍ وَآخَرُ فِي الاتِّجَاهِ المُخَالِفِ؟ عِندَمَا يَقُولُ أَحَدُهُمْ شَيْئًا وَالآخَرُ يَقُولُ عَكْسَهُ؟

خَمْسَ مَرَّاتٍ فِي اليَوْمِ مُنْذُ أَلْفِ سَنَةٍ، يُذَكِّرُنَا أَئِمَّةُ المَسَاجِدِ بِلاَ انْقِطَاعٍ بِضَرُورَةِ “الإِيمَانِ مَعًا”، وَلَكِنْ لَمْ يُنْتِجْ ذَٰلِكَ سِوَى الوَاقِعِ الحَزِينِ الَّذِي نَتَخَبَّطُ فِيهِ مِنَ الحَيَاةِ إِلَى المَمَاتِ. مِمَّا يَعْنِي أَنَّ “الإِيمَانِ مَعًا” لَا يَكْفِي. فِي المُقَابِلِ، نَرَى فِي البُلْدَانِ المُتَقَدِّمَةِ نَتَائِجَ “الرَّغْبَةِ فِي العَيْشِ وَالعَمَلِ مَعًا” تَحْتَ إِشْرَافِ قَوَانِينٍ صَارِمَةٍ تَجَاهَ الضُّعَفَاءِ كَمَا الأقوياء.

إِذَا قسَنَا هَذَا بِالمَعَايِيرِ السَّابِقَةِ، وَوَفْقًا لِهَذَا المِقْيَاسِ، لَا تَوْجَدُ أُمَّةٌ جَزَائِرِيَّةٌ لِأَنَّ حَيَاتَنَا العَامَّةَ هِيَ مُعَانَاةٌ مُسْتَمِرَّةٌ حَيْثُ يَظْهَرُ أَنَّ كُلَّ شَخْصٍ جَاءَ إِلَى هَذَا العَالَمِ لِيُعَارِضَ الآخَرَ، حَيْثُ نُلْحِقُ الأَذَى تَارَةً عَنْ عَمْدٍ أَوْ “مَاشِي بَالْعانِي”، وَنَتَحَمَّلُ أَذَى الآخَرِينَ تَارَةً أُخْرَى، حَيْثُ نَمُرُّ بِوَقْتِنَا فِي الاِنْتِقَامِ مِنْ بَعْضِنَا البَعْضِ بِسَبَبِ الظُّلْمِ الَّذِي لَحِقَ بِنَا هُنَا، وَبِالإِخْفَاقَاتِ الَّتِي مَرَرْنَا بِهَا هُنَا وَهُنَاكَ، وَالإِحْبَاطَاتِ الَّتِي تَراَكَمَتْ فِي كُلِّ مَكَانٍ…

لَيْسَ فَقَطْ أَنَّ رُوحَ الأُمَّةِ مَفْقُودَةٌ، وَلَكِنَّ القَالبَ العَقْلِيَّ الَّذِي حَبَسَنَا فِيهِ جَهْلُ حُكَّامِنَا يَقِيِّنَا مِنْ أَيِّ إِمْكَانِيَّةٍ لِاِكْتِسَابِهَا يَوْمًا. مَا نَفْكُرُ فِيهِ وَمَا نَعْتَنِقُهُ مِنْ أَفْكَارٍ شَائِعَةٍ هُوَ العَكْسُ تَامًّا لِرُوحِ الأُمَّةِ، هُوَ نَقِيضُهَا، هُوَ إِنْكَارُهَا.

نَحْنُ فِي الحَقِيقَةِ فَرِيسَةٌ لِرُوحٍ أُخْرَى، رُوحِ الانتِقَامِ، رُوحِ “الحَسَدِ”، رُوحِ العَشِيرَةِ… بَدَلًا مِنْ رُوحِ الفَرِيقِ، وَرُوحِ الرِّفَاقِ، وَرُوحِ الجِوَارِ الطَّيِّبِ.

You may also like

Leave a Comment