Home مقالاتالقضايا الدوليةالعداوة الجَزَائِرِية–المَغْرِبِية: إِلَى مَتَى؟

العداوة الجَزَائِرِية–المَغْرِبِية: إِلَى مَتَى؟

by admin

ِعْتَمَدَ المَغَارِبَةُ جُمْلَةً قَالَهَا المَلِكُ الحَسَنُ الثَّانِي رحمه الله ذَاتَ يَومٍ بِشَأْنِ الجِوَارِ مَعَ الجَزَائِرِقاءلا:”ليعرف الناس مع من حشرنا الله في الجوار”. وكان يقصد بذلك اِنَّ اللهَ قَدْ وَضَعَ المَغْرِبَ في موقع جُغْرَافِيّ، كَمَا لَوْ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَبْتَلِيَهُ أَوْ يُعَاقِبَهُ.

وَلَكِنْ يُعَاقِبُهُ عَلَى مَاذَا؟ لَمْ يَقُلِ المَلِكُ ذَلِكَ، وَمَا يَزَالُ أَشِقَّاؤُنَا المَغَارِبَةُ يُرَدِّدُونَ هَذِهِ العِبَارَةَ المَبْتُورَةَ الَّتِي تَرْتَدُّ فِي الحَقِيقَةِ عَلَيْهِمْ أَكْثَرَ مِمَّا تَمَسُّ الجَزَائِرَ الَّتِي لَمْ تَكُنْ – وَفْقَ المَنْطِقِ المَلَكِي – سِوَى أَدَاةٍ لِلْعُقُوبَةِ الإِلَهِيَّةِ المُسَلَّطَةِ عَلَى المَغْرِبِ بِسَبَبِ ذَنْبٍ مَا أَوْ لِسَبَبٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ.

وَبِمَا أَنَّ الحَسَنَ الثَّانِي كَانَ رَجُلَ ثَقَافَةٍ، أَظُنُّ أَنَّهُ اسْتَوْحَى عِبَارَتَهُ مِنَ المُؤَرِّخِ الفَرَنْسِي فِي القَرْنِ السَّادِسِ عَشَر، فِيلِيب دُو كُومِين، الَّذِي قَالَ: «لَقَدْ دَبَّرَ اللهُ تنظيم أُورُوبَّا بِحَيْثُ يَكُونُ لِكُلِّ دَوْلَةٍ عَدُوٌّ تَقْلِيدِيٌّ عَلَى حُدُودِهَا».

لَقَدْ ظَلَّ الأُورُوبِّيُّونَ يُؤْمِنُونَ عَلَى مَدَى أَلْفِ عَامٍ بِصِحَّةِ هَذَا «التَّشْخِيصِ»، لَكِنَّهُمْ عَرَفُوا فِي النِّهَايَةِ كَيْفَ يَسْتَثْمِرُونَ تَجَارِبَهُمُ المُتَبَادَلَةَ حَتَّى تَوَصَّلُوا إِلَى رُؤْيَةٍ جَدِيدَةٍ لِمَصِيرِهِمْ، تَمَثَّلَتْ فِي الاِتِّحَادِ الأُورُوبِّي.إِنْجَازُ أُورُوبَّا لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا لأَنَّ التَّشَابُهَاتِ المُشْتَرَكَةَ بَيْنَ شُعُوبِهَا قَادَتْهُمْ آلِيًّا إِلَى الوَحْدَةِ، بَلْ لأَنَّ تِلْكَ التَّشَابُهَاتِ نَفْسَهَا لَمْ تَكُنْ كَافِيَةً لِتَجْنِيبِهِمْ حَرْبَيْنِ عَالَمِيَّتَيْنِ وَصِرَاعَاتٍ ثُنَائِيَّةٍ لَا تُحْصَى.

وَاليَومَ جَاءَ دَوْرُ المَغْرِبِ وَالجَزَائِرِ لِلتَّفْكِيرِ فِي مَصِيرِهِمَا بَعْدَ أَنْ شَارَفَ مِلَفُّ الصَّحْرَاءِ الغَرْبِيَّةِ عَلَى نِهَايَتِهِ. فَالبَلَدَانِ يَقْتَرِبَانِ مِنَ اللَّحْظَةِ الفاصلةِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ يُحْسَمَ فِيهَا هَذَا النِّزَاعُ الَّذِي سَدَّ الأُفُقَ التَّارِيخِيَّ أَمَامَ دُوَلِ المَغْرِبِ الخَمْسِ. وَلَمْ يَعُدِ الأَمْرُ سِوَى مَسْأَلَة أَيَّامٍ أَوْ أَسَابِيعَ أَوْ أَشْهُرٍ.

سَتَخْرُجُ الجَزَائِرُ مِنْ هَذِهِ المَرْحَلَةِ بِشُعُورٍ مُزْدَوِجٍ: أَحَدُهُمَا جَيِّدٌ وَالآخَرُ سَيِّئٌ. الجَيِّدُ هُوَ شُعُورُهَا بِصَفَاءِ الضَّمِيرِ، وَالاِقْتِنَاعِ العَمِيقِ بِأَنَّهَا دَافَعَتْ حَتَّى النِّهَايَةِ، وَبِالرَّغْمِ مِنْ كُلِّ الصِّعَابِ، عَنِ الشَّرْعِيَّةِ الدَّوْلِيَّةِ، وَقَرَارَاتِ الأُمَمِ المُتَّحِدَةِ، وَحُكْمِ مَحْكَمَةِ العَدْلِ الدَّوْلِيَّةِ لِعَامِ 1975 فِي جَوْهَرِ القَضِيَّةِ.

أَمَّا الشُّعُورُ السَّيِّئُ فَهُوَ الاِضْطِرَارُ إِلَى مُوَاجَهَةِ حَقِيقَةِ اِنْتِصَارِ الظُّلْمِ مَرَّةً أُخْرَى فِي التَّارِيخِ: حِينَ تَغْلِبُ القُوَّةُ عَلَى الحَقِّ، وَالبَاطِلُ عَلَى الصِّدْقِ، وَالشَّرُّ عَلَى الخَيْرِ، دُونَ أَنْ يَتَدَخَّلَ اللهُ نَفْسُهُ.إِنَّ التَّنَافُسَ لَيْسَ أَمْرًا سَلْبِيًّا عِنْدَمَا يَظَلُّ فِي حُدُودِ المَنْطِقِ وَالوَاقِعِيَّةِ وَالعَقْلَانِيَّةِ. فَهُوَ يُصْبِحُ عِنْدَهَا حَافِزًا صَحِّيًّا، وَتَنَافُسًا شَرِيفًا، وَسَعْيًا مَشْرُوعًا نَحْوَ التَّفَوُّقِ فِي سِبَاقِ اِعْتِرَافٍ مَحْكُومٍ بِضَوَابِطَ وَأَخْلَاقٍ. تَمَامًا كَمَا فِي الرِّيَاضَةِ وَالأَلْعَابِ الأُولِمْبِيَّةِ.

لَكِنْ عِنْدَمَا يُدْفَعُ هَذَا التَّنَافُسُ إِلَى أَقْصَى مَدَاهُ يَتَحَوَّلُ إِلَى عَدَاوَةٍ مَسْعُورَةٍ، وَيَتَحَوَّلُ إِلَى شُوفِينِيَّةٍ، وَحِقْدٍ شَرِهٍ، وَانْحِرَافٍ عَقْلِيٍّ يُبَرِّرُ اِنْتِهَاكَ القَوَاعِدِ الأَخْلَاقِيَّةِ وَالمَوَاثِيقِ الدَّوْلِيَّةِ.وَفِي كِلْتَا الحَالَتَيْنِ لَمْ تَعُدِ المَسْأَلَةُ شَأْنًا جَزَائِرِيًّا، إِذْ لَمْ يُكَلِّفِ اللهُ وَلَا الإِنْسَانِيَّةُ الجَزَائِرَ بِضَمَانِ اِنْتِصَارِ الضَّعِيفِ عَلَى القَوِيِّ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، وَلَا بِاِنْتِصَارِ القَوْسِ وَالسِّهَامِ عَلَى الصَّوَارِيخِ النَّوَوِيَّةِ.

وَلَيْسَ هُنَاكَ مَا يُلْزِمُهَا بِالمَضِيِّ أَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ مَا دَامَتْ أَغْلَبِيَّةُ الدُّوَلِ وَمَجْلِسُ الأَمْنِ الدُّوَلِي قَدْ قَرَّرُوا – بِتَوَاطُؤٍ مُشْتَرَكٍ – تَغْيِيرَ القَانُونِ الدُّوَلِيِّ وَاسْتِبْدَالَ حُكْمِ مَحْكَمَةِ العَدْلِ الدُّوَلِيَّةِ فِي لاهاَي بِـ«المُبَادَرَةِ المَغْرِبِيَّةِ». إِلَّا إِذَا أَرَادَتْ أَنْ تُعَرِّضَ شَعْبَهَا وَأَرْضَهَا لِلتَّضْحِيَةِ القُصْوَى فِي زَمَنِ رَئِيسٍ مِثْلَ تْرَامْب قَادِرٍ عَلَى فِعْلِ أَيِّ شَيْءٍ…

You may also like

Leave a Comment